السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
دخلت مطبخي لأعدَّ طعام العشاء؛ فوجدته قد عاد :032:ثانيةً لحاله بالأمس أطباق وأكواب وأواني الطبخ، الكبير منها والصغير، علاوةً على
الملاعق والشوك الصغيرة التي تصيبني بالملل من غسلها لصغرها وكثرتها كل هذا عاد واحتاج للغسيل والتنظيف بعد أن كنت قد
غسلته أمس؛ لا ليس أمس فقط ولكن قبل أمس بل قبل قبل أمس بل وقبل شهر لا بل قبل سنة، رجعت بذاكرتي فوجدتني منذ :19_201::19_201:
أن تزوجت وحتى قبل أن أتزوَّج وأنا أقوم بنفس هذا العمل أغسل أطباقًا وأوانيَ، ثم لا ألبث أن أستعملها وأعود لأغسلها مرةً أخرى
ولا أعرف كيف تتكاثر!!.
آه..!! كم أرى هذا العمل مملاًّ وشاقًّا وأنا كل يوم عليّ أن أغسل الأطباق والأواني، ثم أستعملها، ثم أغسلها مرةً أخرى!.
كدت أخرج من مطبخي أصرخ وأقول لا، لن أقوم بهذا العمل للمرة الألف بعد الألف، ولكني لم أرد أن أبوح بهذه الصرخة خوفًا أن تنتقل
العدوى لابنتي التي تساعدني كثيرًا، ولكن تبقى المسئولية الأولى عليّ في هذا المطبخ؛ الذي ما إن أنظفه وأرتِّبه إلا ويناديني
مرةً أخرى؛ لأجده قد عاد لما كان عليه جبال وتلال من الأواني غير النظيفة والملتصقة.
كم تمنيت أن تكون كل أطباقي من نوع الأطباق الورقية والملاعق البلاستيكية؛ حتى أستعملها مرةً واحدةً فقط وأرميَها ولا أقوم
بغسلها، ولكن كانت أمنياتي تتوقف عند أواني الطبخ؛ هل ستكون من ورق أيضًا والأولى أن تكون هي للاستعمال مرة واحدة لأنها
الأصعب والأثقل في التنظيف؟!
سرحت بخيالي وتذكَّرت المرات القليلة التي دُعيت فيها للغذاء في أحد المطاعم، وكيف قمت وأنا سعيدة قريرة العين أنظر إلى
الأطباق شامتةً أني لن أقوم بجمعها وغسلها ها أنا أبدأ بهذا الموَّال الذي لا أظن أنه لا ينتهي أبدًا.
نظرت إلى أطباقي ومواعيني؛ فرأيتها تخاطب بعضها بعضًا وتخاطبني، فالبعض منها عندما أحس بضجري وتذمُّري ألقى بنفسه مرةً
أخرى في حوض التنظيف بعدما قمت بغسله؛ فاضطررت لأن أغسله مرةً أخرى، وكدت أسمع الأطباق الصيني الفاخرة تترفَّع على
الأطباق الأخرى؛ أنها يوضع بها أفخر الطعام وتقدَّم للضيوف المهمين، ولكني سمعت همس الأطباق الصغيرة وهي تقول أنا حبيبة
الأطفال يقدم فيّ الطعام لهم؛ لأني أتحمَّل أكثر منك؛ فأنت أيتها الأطباق جميلة ولكنك هشة سهلة الكسر.
حنوت على أطباقي كلها، وقمت بغسلها بسرعة بالعدل حتى لا تتشاجر.
أحسست أني قد أصبت بالهلاوس من تكرار النظر إلى هذه المواعين صباح مساء.
تمنيت ألا أقوم بغسل أوانٍ مرة أخرى، تخيَّلت حياتي وجمالها بدون طاحونة غسل المواعين.
ولكني عدت بذاكرتي عندما مكثت 3 أشهر لم أدخل المطبخ كنت طريحة الفراش بعد حادث وقع لي؛ عدت بعدها لمطبخي الحبيب
أتلمّسه فرحة أني عدت لأعد الطعام لزوجي الحبيب وأبنائي؛ جعلهم الله قرة عين لي.
ثم تذكَّرت أخواتنا المهجَّرات من منازلهن، واللاتي يعِشن في خيام خارج منازلهن التي تهدمت، وهن كثيرات في زماننا هذا ولا حول
ولا قوة إلا بالله أليس كل واحدة منهن تتمنَّى أن تقف وقفتي هذه بين أوانيها وحللها؟!
كنت ذهبت لزيارة أخت مريضة فدعوت لها وحمدت الله أني لست أسيرة لسرير المرض، ألا تراني هذه المريضة في نعيم مقيم
بوقفتي هذه أمام حوض الأواني، بل هي تدفع الأموال للعلاج حتى تعود إلى بيتها ومطبخها.
آه منك يا نفسي!! لماذا تفكِّرين في أنك تقفين الوقت الطويل ولا تتذكَّرين أنكِ والحمد لله لا تعانين آلامًا من طول الوقوف؟
ثم تذكرت أنني أقوم بالعمل في منزلي أنا وليس في منزل غيري؛ فإن غيري تعتبر العمل في منزل الأخريات عملاً شريفًا وهو
بالفعل كذلك ترتزق منه.
متى يأتي اليوم الذي لا أغسل فيه الأطباق وأنا بصحة وعافية وراحة بال ومسرورة.
سرحت وجلت بخاطري وفرحت عندما جاءني خاطر ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)﴾ (الواقعة)
، إذن في الجنة.. سأكون في الجنة ملكةً أتنعَّم بالولدان المخلدين الذين ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا﴾ (الإنسان: من الآية 19)؛
أي من سيخدمونني في الجنة سيُسعدونني بمظهرهم قبل أن أسعد بخدمتهم لي.
ثم تذكرت الآيات: ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ﴾ (الزخرف: من الآية 71)، يا الله وأنا التي كنت أتمنَّى أن تكون أطباقي من
ورق وأفرح إذا أكلت في مطعم، نعيم الجنة هو النعيم الحق، صحاف من ذهب وأكواب وليس كوبًا واحدًا كما أنا في الدنيا حتى لا
أغسل أكوابًا كثيرةً.
الآن عرفت وأبصرت عليّ أن أكون من أهل الجنة.
كيف وأنا أقضي وقتًا طويلاً في مطبخي راجعت نفسي، حتى أكون من أهل الجنة من خلال مطبخي، عليّ أن أحتسب عملي فيه
لله سبحانه وأنا أخدم زوجي الحبيب، وأساعده على القيام برسالته، وأبنائي الأعزاء وأنا أقوم بخدمتهم ليكونوا مسلمين دعاة إلى
الله.
عليّ ألا أضيِّع وقت عملي في مطبخي هدرًا؛ فأقوم بذكر الله والصلاة على النبي- عليه الصلاة والسلام- أو أسمع شريطًا إسلاميًّا
مفيدًا، ولا مانع من إعادة سماع الشريط الواحد عدة مرات لتثبيت المعلومات وطريقة إلقائها في ذهني حتى أقوم بإبلاغها إلى
غيري وأنا أدعو إلى الله.
عليّ أن أطرد الخواطر السيئة التي تجول بخاطري وأنا أقوم بغسل الأطباق والأواني؛ فقد حدث كثيرًا أن سرحت بخاطري فيما قالت
لي فلانة وكيفية الرد عليها، وكثيرًا ما قمت بسرد تاريخ الخلافات بيني وبين زوجي وأنا واقفة على حوض المواعين أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم.
بعد كل هذه الخواطر وجدتني قد انتهيت من غسل الأطباق والأواني بسرعة وهممت أن أخرج، ولكني شعرت أن موقد الغاز ينظر
إليَّ: هل ستتركينني هكذا أسود اللون عليّ هذه البقع من الطعام الملتصق؟
لا بأس وأنت يا موقدي العزيز سأنظفك بحب؛ فقد كانت السيدة عائشة تروي أنه كان لا يوقد في بيت النبي نار الهلال تلو الهلال تلو
الهلال، وأنهم كانوا يعيشون على التمر والماء.
فما بالي لا أعد نفسي أغنى الأغنياء وأسعد السعداء وأنا أوقد النار الساعة تلو الساعة تلو الساعة.
يا ربّي لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، اللهم لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد.. ﴿رَبِّ
أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ
الْمُسْلِمِينَ﴾ (الأحقاف: من الآية 15).